Résumé:
عند توفر فرصة استثمارية سانحة في السوق فإن أول فكرة تتبادر لذهن المسيرين هي كيفية التمويل، هل
من صالح المؤسسة استخدام مواردها الذاتية لتمويل هذه الفرصة إذا تسنى لها ذلك، أو الاعتماد على
الموارد المالية الخارجية، وفي هذه الحالة هل يتم التمويل عن طريق الديون أم الأموال الخاصة، هذا
التنوع في مصادر التمويل من حيث المردودية والمخاطرة، يمثل أساس مشكل اختيار الهيكل التمويلي في
المؤسسة، هذا ما دفع الباحثين في مجال مالية المؤسسة إلى البحث عن التوليفة المثلى التي تسمح
للمؤسسة من الرفع من قيمتها في السوق، فإذا تم الاعتماد على الديون فعليها تسديد الفوائد حتى وإن لم
تحقق أرباح أو تتعرض إلى خطر الإفلاس، أما إذا اعتمدت على الرفع من رأس المال هذا القرار قد
يعرض المسيرين إلى فقدان القدرة على السيطرة على المؤسسة ( مراقبة المساهمين). لذلك اعتبر
موضوع اختيار الهيكل التمويلي من المواضيع الجوهرية في مالية المؤسسة.
تعتبر دراسة مدكلياني و ميلر 1958 نقطة تحول الفكر الحديث في مفهوم هيكلة رأسمال، بعدما كان يعتمد
أساسا على مفهوم الرافعة المالية في تفسير الهيكل التمويلي، حيث قدم تفسيرا علميا لنظرية استقلالية
القيمة السوقية عن الهيكل التمويلي في ظل جملة من الفرضيات أهمها: يمكن تجميع المؤسسات في فئات
مخاطرة، سوق كامل وعالم بدون ضرائب. لكن الطابع غير العقلاني للفرضيات التي بني عليها النموذج
أسال الكثير من الحبر، مما دفعهما في سنة 1963 لتقديم تحليل آخر في ظل عالم يخضع لضرائب تم
وتوصلا من خلال هذا البحث ،« . الضريبة على أرباح المؤسسة وتكلفة رأس المال: التصحيح » تسميته
أن القيمة السوقية للمؤسسة يحتوي هيكلها المالي على ديون يكون مساوي للقيمة السوقية للمؤسسة مساوية
لها في كل شيء عدا أن هيكلها المالي لا يحتوي على ديون مضاف إليه القيمة الحالية للاقتصاد الضريبي
الناجم عن الديون، هذه النتيجة تعني أن أحسن هيكل للتمويل هو الذي يحتوي على أعلى نسبة من الديون،
هذه النتيجة رغم أنها بعيدة كل البعد عن الواقع (لا يمكن تصور تمويل 100 % عن طريق الديون)، إلا
أن هذين الباحثين أعتبرا نقطة تحول في التوجه الفكري فيما يخص السياسة المالية للمؤسسة.
انطلاقا من الأعمال المذكورة أعلاه، حاولت عدة دراسات تفسير هيكلة رأس المال تصب في مجملها على
هذه الانتقادات التي .(Modigliani & Miller, إسقاط فرضيات المثالية التي بني عليها نموذج ( 1958, 1963
إلى تعديل النموذج (Miller, وجهت إلى الفرضيات المستعملة دفعت مجددا أحد هذين الباحثين ( 1977
السالف الذكر بإدخال أثر الضريبة الشخصية على دخل المستثمرين في التحليل، وتوصل الباحث أن هذه
الضريبة يمكن أن تؤذي إلى إلغاء الاقتصاد الضريبي الناجم عن الديون مما يؤدي إلى فقدان الميزة
الضريبية للديون. في نفس السياق، فإن إلغاء كل من فرضية غياب تكاليف الإفلاس و فرضية عدم وجود
تضارب المصالح بين المتعاملين عجل بظهور توجه فكري جديد يعرف حاليا بأنصار نظرية التوازن
التي مفادها أن الاعتماد المفرط على الديون يسمح بظهور تكاليف جديدة ،(La théorie du Trade- Off)
تعرف بتكاليف الإفلاس التي تتضاعف مع زيادة احتمال الإفلاس، هذا الأخير له علاقة طردية وطيدة مع
نسبة المديونية، إضافة إلى ذلك فإن اعتماد المؤسسة على مصادر تمويلية خارجية يسمح بظهور تكاليف
جديدة ناجمة عن تضارب المصالح بين مسيري المؤسسة وأصحاب رؤوس الأموال، مما يدفع أصحاب
الأموال الخارجية إلى بذل تكاليف إضافية لمراقبة عمل المسيرين تعرف بتكاليف الوكالة ومن أشهر
،(Jensen and Meckling 1976, Harris and Raviv 1990, Jensen الدراسات في هذا الجانب دراسة ( 1986
لذلك فإن أنصار هذه النظرية يفترضون وجود معدل أمثل للمديونية يكون فيه الفرق بين الفوائد الناجمة
عن الديون والتكاليف المترتبة عنها عند قيمته القصوى.
ظهرت حديثا توجهات نظرية جديدة حاولت تفسير هيكلة رأس المال في ظل خصوصية البيئة التي تزاول
فيها المؤسسة نشاطها، فاختلاف المحيط الاقتصادي والقانوني يؤثر حتما على السياسة المالية للمؤسسة،
حيث أشارت نظرية القوانين والمالية أن اختلاف البيئة والقوانين يؤثر تأثير كبير على الهيكل المالي
للمؤسسة فهناك اقتصاديات يكون فيها النظام المصرفي هو المسيطر مثل
الاقتصاد الألماني أو الإيطالي مما يفسر اعتماد المؤسسات الألمانية أو الايطالية على نسب معتبرة من
الديون في الهيكل المالي، وعكس ذلك الاقتصاد الأمريكي الذي يتميز بسوق مالي متطور مما يدفع
المؤسسات إلى تمويل احتياجاتها عن طريقه )
تجدر الإشارة إلى مفهوم نظرية تحديد الاقتراض، حيث لا يمكن الاعتماد كليا على الديون خاصة بالنسبة
للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لها قدرة ضعيفة لاستقطاب القروض إليها والراجع أساسا إلى ضعف
فإنه عند حدوث (Stiglitz and Weiss 1981, Williamson الضمانات لديها، فحسب دراسة كل من ( 1986
عملية التوازن في السوق بين الطالبين على القروض والمانحين لها، تجد بعض المؤسسات نفسها مقصية
من عملية التمويل في ظل الشروط المطبقة في السوق. كذلك ظهر توجه جديد يعرف بالاقتصاد الضريبي
اللذان أشارا بأن هناك ( De Angelo and Masulis الناجم عن غير المديونية ومن رواد هذا التوجه ( 1980
بدائل للاقتصاد الضريبي للديون يمكن الاعتماد عليها، مثل سياسة الاهتلاك المطبقة في المؤسسة، مما يفقد
نسبيا الميزة الجبائية للديون، هذا ما يدفع المؤسسة إلى استغلال كل الفرص الجبائية المتاحة لها لرفع من
قيمة مواردها المالية الذاتية.